هو للقلب ربيع، وللمروءة ثمرة، وللضمير شعاع... هو للخير والنجاح مفتاح، وللتقدم والفلاح عنوان... هو مصدر العزة والكرامة، وينبوع المجد والسعادة. به يأنس الإنسان، وينطق اللسان بلا خوف ولا إرتياب ولا روَغان.
إنه الصدق سيف الله في أرضه، ما وُضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلاً إلا صدعه.. هو روح الأعمال، ومِحَكّ الأحوال، والحامل على إقتحام الأهوال.
الصدق هو القول المطابق للحقيقة والواقع، من غير تبديل ولا زيادة ولا نقصان، مَن تحلّى به كمُلت صفاته، وسمَت أخلاقه، وتحققت معه سعادته، ولولاه لإرتفعتْ ثقة الناس ببعضهم، وساءت الأحوال، وإستوحشت النفوس، وخَبُثت العيون، وإسودّت القلوب.
ولذلك أمر الله تعالى المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}.
والصدق صفة لازمت الرسول صلى الله عليه وسلّم منذ صباه، فكان لا ينطق إلا صدقاً، ولا يقول إلا حقاً.
حضّ عليه، وأمر بالتخلُّق به قولاً وفعلاً، ونفّر من الكذب والكاذبين، ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «عليكم بالصدقِ، فإِن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل ليصدق حتى يُكتب عندَ اللّه عز وجل صدِّيقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اللّه كذاباً» رواه أحمد.
وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك، فإن الصدق طُمأنينة، وإن الكذب ريبةٌ».
في إحدى الغزوات وزّع النبي صلى الله عليه وسلّم الغنائم، فجاء نصيب أحدهم، فأبى أن يأخُذَه وقال: يا رسول الله ما قاتلت معك لغنيمة، بل قاتلت لأصاب بسهم في حلقي فأُسْتَشهد في سبيل الله، فقال صلى الله عليه وسلّم: «إن تصدقِ الله يَصْدُقْك الله»، وبعد إنتهاء المعركة سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلّم، وإذا به مسجّىً على الأرض، وأَثَرُ السهم في حلقه، فقال صلى الله عليه وسلّم: «صدق الله فصدقه الله» رواه النَّسائي... هؤلاء هم الرجال المؤمنون الصادقون، صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلاً.
المؤمن الحق يحرص على الصدق، فيسطَعُ ضياؤه على قلبه وفكره وخواطره، ويحرص عليه لأن فيه نجاته وسعادته في الدنيا والآخرة، فعن عُقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت: ما النجاة؟ فقال صلى الله عليه وسلّم: «أَمسك عليك لسانك» رواه أحمد. وقد ورد: «تحرَّوا الصِّدق وإنَّ رأَيتم أَن فيه الهلكة فإنَّ فيه النجاة، إجتنبُوا الكذب وإنْ رأَيتم أَنَّ فيه النجاة، فإنَّ فيه الهلكة» رواه ابن أبي الدنيا.
أبو بكر الصديق الذي تبوأ أعلى مراتب الصدق يدخل عليه عمر رضي الله عنه وقد جذب لسانه إلى الخارج ويقول: إن هذا أوردني الموارد...
ويقول الفاروق عمر رضي الله عنه: لأن يضعني -من الضَّعَة: أي التدنّي- الصدق وقَلّما يفعل، أحَب إليّ من أن يرفعني الكذِبُ، وقَلّما يفعل... أما علي رضي الله عنه فيقول: زين الحديث الصدق، وأعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب... ويخاطب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لسانه قائلاً: أيها اللسان قُلْ خيراً تغنم، واسكت عن شرٍّ تسلمْ من قبل أن تندم...
فالعبد لا يُنجيه يوم القيامة إلا صدقه، وقد أعدّ الله للمؤمنين الصادقين جِناناً، لا ينغّص عيشهم فيها منغِّص، ولا يكدّر صفوهم مكدِّر، صدقوا ففازوا بمرضاته، وإرتفعوا في روضات جناته، قال تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
فما أعظمها من ثمرة، وما أشرفها من غاية يوم يُحشَر المؤمن الصادق مع: {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}.
هذا وإنّ التزام الصدق يحتاج من المسلم، وخاصة الدعاة إلى الله، إلى إرادة صُلبة وعزيمة قوية وإيمان راسخ، وفي ذلك يقول ابن القيم: حمل الصدق كحمل الجبال الرواسي، لا يُطيقه إلا أصحاب العزائم.
ولهذا فإنّ المؤمن الذي ذاق حلاوةَ الإيمان: قلبُه نقيّ تقيّ، ولسانه صادق يُبغض الكذب، لأنه من أقبح الذنوب، وأفحش العيوب، صاحبُه ملعون مذموم، ويكفيه قوله تعالى: {ألا لعنة الله على الكاذبين}!
وقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم أنّ الكذب من صفات الذين لا يؤمنون بالله تعالى فقال: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}. فالكذب والإيمان لا يلتقيان في قلب المؤمن، فمَن كان خُلُقه الصدق لا يمكن أن يكون منافقاً لأن الكذب جماع النفاق وخصال المنافقين: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنِّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}.
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا إئتمن خان» رواه البخاري، والخطير أن بعض الناس يكذب ويستسهل الكذب في المزاح، وهؤلاء توعّدهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقوله: «ويل للذي يحدث بالحديث ليُضحك به القوم فيكذب ويل له! ويل له!» رواه أحمد.
أختي المسلمة: لنلتزِمْ نهج الصدق في حياتنا، في أقوالنا وأعمالنا، في نياتنا وعزائمنا، لنغرس في نفوس أطفالنا فضيلة الصدق حتى يَشِبّوا عليها، بكل حركة في اللسان، وبكل سلوك في الحياة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «من قال لصبِيًّ: تعال هاك، ثم لم يعطه فهي كِذْبة»..
ويا أيّتها الداعيات وكذا الدعاة، كونوا صادقين مع الله مراقبين له، مخلصين لدعوتكم، ولا تجعلوا للكذب سبيلاً إلى ألسنتكم!
تمسَّكي أختي المسلمة بصحبة أهل الإيمان والصدق، فهم كما يقول الفاروق عمر رضي الله عنه: عليك بإخوان الصدق فعشْ في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء، وعُدّة في البلاء.
وصدق مَن قال:
الصدق في أقوالنا أقوى لنا *** والكذب في أفعالنا أفعى لنا!
الكاتب: أمينة أحمد زاده.
المصدر: موقع منبر الداعيات.